الرئيسيةمجتمعباريس … الرباط .. عبر السمارة
مجتمع

باريس … الرباط .. عبر السمارة

 

بقلم الاستاذ عبد الرفيع حمضي

رغم انها ليست المرة الاولى التي ازور فيها السمارة إلا ان يوم امس ،فمنذ ان حطت الطائرة بالعيون ،و سرنا بالسيارة في اتجاه السمارة وانا احاول ان استجمع ما اعرفه عن هذه المدينة وأقيسه على ما ألاحظه في الطريق ،والسيارة تطوي المسافات بدون رحمة ولا شفقة.
فتذكرت ان هذه المدينة التي بناها الشيخ ماء العينين في 1898 بدعم ومساعدة من السلطان مولاي عبد العزيز واحتلتها فرنسا في 1913 . لكنني تذكرت ايضا ان ما تميز به الاستعمار الفرنسي بالمغرب كونه ربط تواجده العسكري والسياسي والاقتصادي والإداري بالايالة الشريفة بضرورة المعرفة العلمية الدقيقة ،للمغرب وبالتالي فما انتجه الفكر الفرنسي حول المغرب -منذ كتاب la reconnaissance du Maroc من 600 صفحة لصاحبه Vicomte . Ch. de Foucauld سنة 1884 – الذي لا زال يشكل مرجعا اساسياً لتفسير العديد من القضايا ببلادنا، فليس هناك قبيلة واحدة من قبائلنا شمالا وجنوبا لم يكتب عنها الفرنسيون من بني مستارة بالشمال الغربي إلى الركيبات وايت اوسى وأولاد دليم والعروسين وغيرهم كثير بالجنوب المغربي .
ومما لا شك فيه ان الكتابات الفرنسية في عمومها تأثرث بنظرة الرجل الغربي الذي حل بالمغرب من اجل نشر الحضارة والمدنية .الا انها تبقى كتابات ساهمت في معرفة المغاربة بخصوصيات بلدهم في جميع المجالات ،فحتى عاداتنا وتقاليدنا وضعت تحت مجهر التحليل الاجتماعي والانتربولوجي .
من تقاليدرمضان إلى اضحية العيد و من العقيقة الى حفل الزفاف ،بهذه المنطقة او بتلك القبيلة . ولم يكتبوا بأحكام عامة وجاهزة وإنما بالتفاصيل التي لا ينتبه اليها حتى الممارسون لتلك التقاليد ،ولازالت تشكل مرجعا معرفيا لحد الان ،
أما الرعي وطرق ووسائل زراعتنا وفلاحتنا ونظامنا الغدائي فلم تسلم بدورها من تدقيق وتحليل وتحفيز على التغيير في بعض الاحيان .
الم تستورد فرنسا البطاطس من امريكا اللاتينية لتعويض القمح الذي قَلَّ بفعل الجفاف واشياء أخرى ؟ ورفض المغاربة البطاطس بشكل مطلق ،حيث كانت الشاحنات تعود على حالها إلى المخازن .ولكونهم يعلمون جيدا ثقافة المواطن المغربي فقد شددوا الحراسة عليها لاعطائها قيمة .إلا أن الساكنة عادت لتهجم على المخازن واخد البطاطس عنوة بعدما استشعروا أهميتها .لكن عوض ان يعوضوا الخبز بالبطاطس أكلوا البطاطس بالجبز.
تذكرت كذلك Joseph kessel حين تناول السمارة في كتابه vent et sable وتذكرت ان Michel vieuchange نشر مشاهداته إبان رحلته من تيزنيت إلى سمارة سنة 1930 ..
تزاحمت كل هذه الأفكار في ذهني وانا لازلت بمفترق الطرق بفوس بوكراع على بعد 100 كلم .وتساءلت فها هي فرنسا صاحبة الوثائق والخرائط والمعرفة بالمنطقة لماذا تتلكأ في السير قدما والإقرار صراحة بمغربية الصحراء ؟ لماذا تتماها مع مواقف دول لاتعرف المنطقة؟
صحيح ان فرنسا لم تسبق ان خذلتنا بمجلس الامن وهي العضو الدائم به .لكن المغاربة تفهموا موقف فرنسا منذ ابتكار هذا النزاع بالمنطقة للحفاظ على مصالحها مع الجزائر في الوقت الذي طورت الرباط مواقفها حيث وافقت على الاستفتاء وعندما اصبح مستحيلا قدمت مبادرة الحكم الذاتي ،في حين بقيت الجزائر في عدائها الأصلي ولم تقدم اية مبادرة أو خطوة وفرنسا شاهدة على ذالك .
اعتقد ان سلوك الدولة المٌستَعْمِرة مع مستعمراتها السابقة لم يعد له مكان في العالم الجديد ،فاذا كانت العلاقات الدولية التي كانت ولازالت قائمة على المصالح فإن الان شرط الوضوح اصبح محددا لكل التحالفات ، والمغرب لا يقبل بأقل من المعاملة بالمثل فالمُسْتَعْمَرَة السابقة (المغرب)أصبحت فاعلا في محيطها الإقليمي والدولي .وعلى حد تعبير عادل امام ،،العيال كبرت ،،
أقول هذا وانا لا استحضر مطلقا التوتر الأخير للعلاقة المغربية الفرنسية .
فلم يخل تاريخ البلدين من غيام وضباب وانفراج، ألم تتوقف العلاقة لحوالي 20 سنة ايام مولاي إسماعيل الذي عاصر لويس الرابع عشر وحكاية رفضه تزويج السلطان بالأميرة دوكنتي في سنة 1699م؟
ألم تعرف فتورا في عهد مولاي سليمان إبان حملة بونابارت على مصر ؟ألم يصل التوتر إلى معركة إسلي التي دارت رحاها بواد إسلي بالقرب من مدينة وجدة المغربية في غشت 1844 بين جيش سلطان المغرب المولى عبد الرحمن بن هشام بقيادة ابنه الأمير محمد والقوات الفرنسية الراغبة بوضع حد للدعم المتكرر للسلطان المغربي للمقاومة الجزائرية واحتضانه للأمير عبد القادر.؟
وحتى بعد الاستقلال استمرّت العلاقة تتدحرج بين انفراج دائم وتوتر عرضي ،منذ غضبة الجينرال ديغول على جريمة اختطاف الزعيم المغربي المهدي بن بركة، في قلب باريس سنة 1965 .وعندما عمل المغرب على إطلاق برنامج مغربة الأراضي المملوكة للفرنسيين سنة 1973 قام جورج بومبيدو فارغى وأزبد .وفي ولاية فرانسوا ميتران غضب الحسن الثاني من صدور كتاب جيل بيرو “صديقنا الملك “وما صاحبها من توتر .وحتى في مرحلة ساركوزي نيكولا عندما اختار المغرب F16 الأمريكية على Rafale الفرنسية فهذه العملية التجارية السياسية ادخلت العلاقات إلى صقيع الثلاجة.ليعود التوتر من جديد مع فرانسوا هولاند عندما اقترب رجال الامن الفرنسي من إقامة السفير المغربي . وطبعا تبقى ولاية جييسكار ديستان الذي كان يناديه المرحوم الحسن الثاني بصديقي وكدا ولاية ،الكبير جاك شيراك صديق المغرب ،عائلة ملكية وشعبا .من احسن فترات العلاقات الثنائية .
خفض السائق السرعة ونحن نلج جماعة أمكالة وما ادراك ما امكالة حيث دارت معركتين وجها لوجه بين الجيش المغربي والجيش الجزائري في يناير وفبراير 1976.
في الوقت الذي كان بومدين يرسل مبعوثيه للعالم ليدعي ان الجزائر ليست طرفا في النزاع .
وفي الاخير فاذا كانت كل الاحتكاكات السابقة بين الرباط وباريس اتسمت بالمرحلية والتاكتيكية ليس إلا. فان التوتر الحالي كان بالفعل أزمة في الرؤية الاستراتيجية لهذه العلاقة الثنائية . فها هو الرئيس الشاب مانويل ماكرون الذي تملك بلاده مايكفي من المعرفة والوثائق حول الصحراء المغربية اكثر من اية دولة أخرى هاهو قد خبر المغرب الذي لم يعد يقبل بعلاقات ما بعد الحرب الباردة وانما علاقة راشد – راشد ورابح رابح فان المغرب ينتظر من الاليزيه ان يقدم على الخطوة التي لا يستطيع ان يقوم بها إلا الشباب . ألم يقل ساركوزي -La jeunesse est un grand atout pour conquérir le pouvoir
فهل سيكون بلاغ زيارة وزير الخارجية ليوم 25 فبراير بلاغ الوضوح والحسم وعدم التردد؟
مولاي إسماعيل قال مرة إن إمبراطور ألمانيا رفيق لناخبيه،وملك انجلترا عبد لبرلمانه،؛…..أما إمبراطور فرنسا فهو وحده من يعرف كيف يحكم مثلنا”
سمارة ترحب بكم … خفف السرعة
سمارة في 23 فبراير 2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *