السياسة المائية بالمغرب التحديات والخيارات.. مائدة مستديرة علمية نظمها الفضاء الوطني للسياسات العمومية والمركز المغربي للدراسات والابحاث في حقوق الإنسان والاعلام
عبد الهادي بكور
باعتبار أن المغرب وعلى غرار العديد من الدول، يعاني من الاجهاد المائي بسبب توالي ست سنوات من جفاف وهي سابقة في تاريخ المغرب المعاصر حيث أن نسبة ملء السدود لم تتجاوز 25% وتراجع مستوى المياه الجوفية مما أثر على كمية المياه لكل مواطن إذ بلغت ما يقرب 600 م3 أي أربع مرات أقل من الكمية التي كان يتمتع به المواطن المغربي قبل 60 سنة مضت، وذلك بسبب تأثر العديد من الدول الإفريقية بشكل واضح من التغييرات المناخية وانزياح الفصول الأربعة.
ومن أجل تأمين المستقبل بهذه المادة الاستراتيجية (الماء)، فقد أعلن جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير عن وعي الدولة المغربية بالتحدي الاستراتيجي الذي فرضه الإجهاد المائي وأزمة الموارد المائية، إذ شغل موضوع الماء أزيد من 80 في المائة من مجموع الخطاب الملكي ، وهي نسبة جد مهمة في خطاب الذي عادة ما يخصص لعرض المنجزات وله قيمة توجيهية للمؤسسات والسياسات، و أكد في خطابه على أن مواجهة هذا التحدي تتطلب المزيد من “الجهد واليقظة، وإبداع الحلول، والحكامة في التدبير”.
ومن هذا المنطلق والوعي بأن تحدي أزمة الماء بالمغرب يستدعي تعبئة كل الفاعلين خاصة منظمات المجتمع المدني التي تشتغل على البيئة، و التي كانت سباقة منذ عقود إلى لفت نظر أصحاب القرار السياسي والاقتصادي إلى ضرورة نهج وتبني مقاربة التنمية المستدامة التي تأخذ بعين الاعتبار المجال في مخططات التنمية والسياسات العمومية، نظم الفضاء الوطني للسياسات العمومية بشراكة مع المركز المغربي للدراسات والابحاث في حقوق الإنسان والاعلام، مائدة مستديرة بعنوان: ” السياسة المائية بالمغرب التحديات والخيارات” ، وذلك يوم الأحد 29 شتنبر 2024 ، بمقر المواكبة والتاطير في البحث العلمي بالصخور السوداء بالدارالبيضاء، شارك فيها كل من : د المختار طبيطبي نائب عميد كلية العلوم القانونية والإقتصاديّة والاجتماعية عين السبع، د حميد نعيمي رئيس الفضاء الوطني للسياسات العمومية، المرابط رشيدة دكتوراه في بيولوجيا البيئة وأستاذة التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني، اميمة الفن باحثة مختصة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة، د الطاهر شاكر مهندس وخبير وفاعل سياسي، امبارك افكوح عضو اللجنة الجهوية لحقوق الانسان بجهة الدار البيضاء سطات، اشرف حكيم متخصص في الهندسة البينة، بالإضافة إلى كل من الدكتورين جمال فكري وعلي كريمي.
هذا، وقد تم التطرق من خلال المائدة المستديرة لأهم القضايا والأسئلة المتعلقة بالسياسة المائية بالمغرب عن طريق طرح العديد من الاسئلة للنقاش العلمي، و ذلك رغبة في المساهمة إلى جانب باقي الهيئات المدنية ومراكز البحث في تفكيك وفهم تحدي ندرة الماء والإجهاد المائي، وكذا تجويد السياسة المائية من أجل بلورة مقترحات عملية لتجاوز هذه الوضعية الحرجة التي ستكون لها عواقب سلبية على أهداف النموذج التنموي الجديد وعلى خيارات المغرب مستقبلا في كل المجالات، ومن الاسئلة التي تم طرحها في اللقاء منها: ماهي مظاهر وحجم أزمة الماء وآثارها؟؛ هل تنحصر أسباب الأزمة في عوامل طبيعية وبيئية مرتبطة بالمناخ والجفاف أم هناك عوامل أخرى تتعلق بالحكامة وتدبير هذه المادة الحيوية؟؛ ماهي حصيلة سياسة السدود التي نهجها المغرب منذ السبعينات؟؛ ما هو دور الإعلام و منظمات المجتمع المدني في تدبير أزمة المياه بالمغرب؟؛ ما هو دور الجامعة والبحث العلمي في النهوض بتدبير الثروة المائية الوطنية كضرورة استراتيجية وحق؟؛ ما هي أهم مضامين المخطط الوطني للماء 2020-2050؟؛ كيف يمكن تحقيق نجاعة وفاعلية في تدبير الثروة المائية بالمغرب؟؛ هل قانون الماء في صيغته الحالية لا يحتاج إلى تعديلات جديدة ترافع من أجلها المنظمات الحقوقية المعنية ليساهم بشكل إيجابي في حماية الثروة المائية الوطنية ولما لا تطويرها؟.
الدكتور المختار طبيطبي نائب عميد كلية العلوم القانونية والإقتصاديّة والاجتماعية عين السبع وبصفته مسيرا للمائدة المستديرة التي عرفت حضورا وازنا ونوعيا ، فقد وطأ في بداية اللقاء إلى تقديم السياق العام الذي تعرفه بلادنا بخصوص ندرة ما اعتبره الذهب الأزرق (الماء) ،الذي لا يُعتبر من وجهة نظره مجرد خصاص طبيعي فقط، بل يَتعدّاهُ إلى سوء تدبير بَيِّن لا يَرْتكِنُ إلى إنتظارات المغاربة؛ لتعطى الكلمة للأستاذة “رشيدة المرابط” لتسترسل في تبيان ضرورة البحث العلمي سيما مع وجود مظاهر الأزمة المائية ببلدنا المتّسمة بالندرة و الإجهاد..، إذ ساهم في ذلك الموقع الجغرافي الذي يتواجد به المغرب وكذلك إرتفاع درجة الحرارة وتغيير جغرافية التساقطات وبالتالي، أردفت بضرورة إعادة النظر في الإختيارات الزراعية وكذلك وُجوب إدارة الموارد المائية بناء على الذكاء الصناعي وإتخاذ تحلية مياه البحر كآلية لتجاوز الخصاص المائي ببلدنا.
وبعد أخذه الكلمة، تناول الأستاذ “مبارك أفكوح” الأسس القانونية للحق في الماء، فتحدث عن المادتين 11 و 12 اللتين تُوَطنان للحقوق المتعلقة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والإقتصادية والسياسية،
كما تحدث كذلك عن 52 توصية أتى بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا الشأن، وأوضح كذلك بضرورة تنزيل السياسات العامة التنزيل الصحيح في السياسات العمومية حتى يتسنى توضيح الرؤى الصائبة وتحقيق الإنتظارات المرجوة.
الأستاذة “أميمة خليل الفن” وفي كلمتها بالمناسبة، فقد تحدتث عن ضرورة الإلمام الشامل بالإشكالية، باعتبار بأن لدى المغرب مناخا جافا وشُحا كبيرا في التساقطات مع إرتفاعات ملحوظة في درجات الحرارة، وتساءلت هل الإشكالية إشكالية موارد طبيعية أو إشكالية هيكلية أم إشكالية تدبير و حكامة. كما تساءلت أيضا هل 22 مليار مكعب قادرة على تغطية الطلبات كما كان الشأن في الخمسينيات والسبعينيات سيما و أن نسبة التمدن التي بلغت 67% تتطلب موارد مائية تستجيب لهذه النسبة التي هي في تصاعد، كما اشارت الأستاذة “الفن” بأن تخصيص 87% من الماء الموجهة كلها إلى الفلاحة هو ضرب من التخبط غير المبني على أسس سليمة، إعتباراً بأن المغرب -في نظرها- ليس بلدا فلاحيا بالنظر إلى حجم الواردات الفلاحية الكثيرة.. وبالتالي فهذا المُخَصّص المئوي هو ضرْبٌ من التناقض الذي يجب إعادة النظر فيه حتى يتم إستغلال الماء الإستغلال الصحيح والسليم..، كما اضافت الفن بأن “المخطط الأخضر” هو مخطط فاشل بكل المقاييس ويعكس سياسة الحكومة البعيدة عن إنتظارات المواطن..
ومن جملة هته التناقضات إقحام هذا المخطط في مناطق لا تتطابق مع الغاية من هذا الأخير وهذا إستنزاف للفرشات المائية بكل تأكيد. و بالتالي يجب إحترام الخصائص المجالية في هذا الشأن.
في المداخلة الرابعة، تحدث الأستاذ “أشرف حكيم” عن وجود إشكالية مركبة مُتفتّقة عن إرتفاع الكثافة السكانية وطبيعة الأنشطة و بالتالي يجب وضع مقاربة شمولية كخيار بديل لا يقبل التجزيء. وقد قدم الأستاذ “أشرف” مجموعة من الأرقام تعكس الندرة التي تعرفها الفرشات المائية و كذلك السبل الناجعة لتخطي التخبطات غير الناجعة التي تعرفها السياسة المالية التي تتسم بنقص كبير في المعلومة..
كما تحدث ايضا عن الجانب التوعوي، إذ يؤمن بأن التوعية هي من بين الرهانات للحفاظ على الماء. و تحدث كذلك على البنيات التحتية التي تتجلى في سياسة السدود التي تبلغ 153 سدا كبيرا، وهناك أيضا 141 سدا صغيرا ومتوسطا. يقول الأستاذ “أشرف” هي التي إعتمدها الملك الراحل الحسن الثاني إذ كانت بحق سياسة ناجعة ساهمت بشكل كبير في ترشيد إستغلال الماء الإستغلال المعقلن.
في ما تحدث الأستاذ “الطاهر شاكر” عن التدبير المجالي والتوازنات الإيكولوجية والغطاء النباتي الذين لهم علاقة بالماء..
و بالتالي-حسب الأستاذ “شاكر” يلزم وجوب إعتماد زراعة ملائمة حسب طبيعة التربة المزمع الزراعة فيها، كما تطرق إلى مسألة محورية تستدعي التأمل و هي بأن العِلم المغربي يُصدَّر و لا يُستثمَر و خير دليل على هذا هو أن علماءنا رائدون في مجالات عدة و لا تُعطاهم الفرصة لتحقيق ذلك في بلدهم الأم. و أردف الأستاذ “شاكر” بأنه شخصيا كان من بين أطر عدة يتبعون طريقة الإستمطار في عرض البحر و كانت تجارب ناجحة، و بالتالي نجاح التجارب ليس بِبَعيد عن أطرنا الوطنية، تلزم فقط الإرادة لذلك.
و في عرضه الكرونولوجي، أوضح الأستاذ “شاكر” بأن الفضل في إخراج قانون الماء يعود للجنرال “ليوطي” الذي كان سببا كذلك لإدخال التحفيظ العقاري حيز التنفيذ بالمغرب على غرار التجربة الأسترالية وذلك سنة 1913.
و في حديثه عن المجلس الأعلى للماء والبيئة والمخطط الخماسي والحديث كذلك عن الأحواض المائية كحوض نكور وحوض اللوكوس والسدود، فقد اعتبرها تدابير ناجعة للحفاظ على الماء، لكن عقليات التسيير تقف عقبة أمام الإنتظارات المُعوَّل عليها، إذ أن تسييس قطاع الماء يَحُول دون تفعيل تلك الإنتظارات، ناهيك على أن المسيرين لا يَمُثُّون لعالم الفلاحة بأي صلة و هذا ما يحيلنا على سؤال الإرادة بشكل كبير..